رحلتنا مع التعليم المنزلي

أهلا يا أصدقاء

مرحباً من جديد للمدونة. يبدو أن آخر موضوع رفعته كان قبل سنة و أعتذر عن ذلك. حدثت أمور كثيرة خلال السنة، انتقلنا إلى منزل أفضل و لله الحمد، و رزقنا بمولودة جديدة ملأت البيت فرحاً و بركة. انشغلت كثيراً عن هذه الزاوية و لكني عازمة على الانضباط هذه المرة، إن أذن الله لي بذلك. 

أحببت أن يكون الحديث عن التعليم المنزلي لأني لم أتحدث عنه هنا من قبل. اتخذنا أنا و زوجي قرار التعليم المنزلي لأبناءنا بشكل رسمي قبل موعد دخول ابني عثمان المدرسة (٤ سنوات) و إن كنّا قد بدأنا بالتعليم المبكر مع الاثنين عثمان و عالية من عمر السنتين (سأتحدث عن التعليم المبكر في موضوع آخر إن شاء الله). 

قبل الخوض في التفاصيل، أودّ أن أذكر بعض أسباب هذا القرار. الأسباب كثيرة جدًا لا يسعه موضوع واحد، لكن أحد أهم الأسباب هي الحفاظ على قيمنا الإسلامية، ثم قدرة الطفل في نظام التعليم المنزلي على تعلم أضعاف ما يمكنه تعلمه في المدرسة، لأن الفصل يستوعب ١٥ طالب على أفضل الاحتمالات و الدرس الواحد يُعطى ليفهم الجميع فيأخذ المعلم وقتاً أكبر لإفهامهم. أما حين أُعلم طفلي فالدرس نفسه يأخذ أقل من ربع الوقت لأن نسبة الطالب للمعلم أصغر بكثير. 

قد تقولين، ما الهدف من تعليم الطفل أضعاف العلم المحصّل في المدرسة؟ الهدف ليس كمية العلم و لكن تعريض الطفل لقدر كبير من المعارف و العلوم و التجارب في سن صغير يساعده على تخير ما يحب منها فيجعل تركيزه عليها و بالتالي يبدع فيها، بخلاف نظام المدرسة القائم على مقاس واحد للجميع، بعض النظر عن ميول أي طالب معطى و رغباته. لا بد للجميع من دراسة جغرافيا بلد معين، أو حفظ أسماء و تواريخ لا فائدة منها، أو دراسة مادة لا يكترث لها هذا الطالب و يرغم نفسه على الحضور لأن هذا المطلوب منه. ماذا لو سُخِرَت هذه الطاقات في تعلم علم أو معرفة أو حرفة تشع لها عين الطالب؟ أغلب الناس لا تكتشف ما تحب إلا في سن متأخر لتأخر تعرفهم على هذا الفرع من المعرفة أو الحرفة و بالتالي وقت الإبداع يكون أقصر إن كان، لأن المسؤولية تصبح هي الأولوية بعد مستوى معين . التعليم المنزلي بإذن الله يحرص إلى اكتشاف نقط الإبداع  في وقت مبكّر فيختصر هذا الطريق.

أمر آخر، قلّ أن نجد الآن طلبة مدارس شغوفين حقاً بالمدرسة و بالمادة العلمية المُقدمة في المدرسة. أغلبهم يحضر لأنهم مجبورين. تجدهم يحبون التغيب و يستأنسون بالعطلة. تخيلوا واقعاً معاكساً. تخيلوا بكاء الطلبة لحضور الإجازة لأن رحلة طلب العلم اليومية لن تحدث إلا بعد مدة. تخيلوا جريهم  إلى مكان طلب العلم لشدة رغبتهم في طلبه. تخيلوا الشغف. تخيلوه. 

أكثر أطفال التعليم المنزلي يعيشون هذا الشغف بشكل يومي. لديهم رغبة ملحة في طلب المزيد. رغبة لم تقتلها المدرسة.

قبل أن أبدأ و أثناء دراستنا للموضوع، كنت أتساءل  عن الحاجة الاجتماعية لأبناءي. من أين لهم بأصدقاء؟ هل سيجدون صعوبة في الأوضاع الاجتماعية؟ لكني قرأت مقالاً طمأني كثيراً مفاده أن تقسيم طلاب المدرسة بحسب أعمارهم لا يمثل الواقع. انظري إلى علاقاتك الاجتماعية تجدين أن أعمار صديقاتك\زميلاتك في العمل متفاوت. التقسيم الحاصل في المدرسة يفرض على الطلاب مصاحبة من هم في نفس السن فيصعب على الأطفال التحاور بأريحية مع أناس من غير سنهم، بينما طلاب التعليم المنزلي غير مفروضين بهذا التقسيم فيصاحبون الكبير و الصغير و الأعمام و الأطفال بدون مشقة على الإطلاق، و يتعلمون أكثر بهذه الطريقة خاصة من كبار السن. المهم هو خلق بيئة اجتماعية لهم.

التعليم المنزلي رحلة قد بدأنا بخوضها، لكن لا أعلم شكلها مستقبلاً أو حتى استمراريتها. هي جميلة جداً في هذه المرحلة و لذلك أريد تدوين اللحظات و الدروس و الأيام لتكون مرجعاً لي و لأي أحد يفكر في التعليم المنزلي.

سأكتفي بهذا القدر لأني إن لم ألزم نفسي ستمتلىء هذه المدونة بالحديث عن هذا الموضوع فقط.

دمتم بود يا أصدقاء.